مهند مبيضينكثير من السلوكيات التي يمارسها أفراد ومجموعات بحسن نية أو عاطفة تكون بلا فلسفة ولا ضابط اخلاقي ولا مبرر لها. وبعض تلك السلوكيات ضار؛ لأنها بلا محتوى قيمي في غالب الأحوال، وأحد ابرز تجليات العلاقة بين الأفراد والدولة والنظام السياسي، هو سلوك استخدام علامات ورموز الدولة الدالة، في مواقع مختلفة من دون وعي. مثلا ما معنى ان يضع مواطن التاج الملكي على نمرة السيارة؟ وما معنى ان يرسم خريطة الاردن على زجاج سيارته او ان يضع صورة جلالة الملك في اكثر من مكان، وفي أول اختبار للعقلانية والسلوك القويم يتخلى عن عقله، فيقطع الإشارة الضوئية الحمراء؟ جانب آخر متصل بالمسألة وهو ظن بعضهم أنهم أكثر انتماء للدولة أو محبة للملك، إذ نجد محل إطارات أو حلويات او مطعما يهدي \"الشعب الأردني\" صورة للملك. ويحدث أن تسمع أن هذا المحل او تلك الشركة او رجل الأعمال الذي يقف خلفها أفلس بعدما أوهم الناس بمشاريع وأرباح وغادر البلد. لكن الصورة تظل تحمل توقيعه المجيد! وهو ما ينطبق في السياق ذاته على محل يهدينا صورا للملك ونجده يتهرب من دفع الضرائب مثلا. المسألة تحتاج لعقلانية اكثر، وإيجاد نسق قيمي واضح في العلاقة مع الوطن، كل الوطن منجزات وقيادة وجغرافيا. وللتوضيح نسأل كيف نبرر لطالب جامعي يزين صدره بصورة للملك او العَلم، ويأتي ويخربش على جدار قاعة المحاضرات موقعا بعبارة \"السلط وبس\" أو \"الكرك اولاً\". وكيف يرضى طالب بتلك الهيئة أن يأتي دوماً متأخراً على محاضراته، واذا ما سأله الدكتور عن سبب التأخير أو إذا ما أراد رفض ادخاله للقاعة يبدأ يتلمس بيده صورة الملك ويتحسسها وهو يومئ لأستاذه المغترب انه من \"محاسيب الدولة\" أو أنه \"واصل\" وهنا لا يملك الاستاذ حيلة فيرضخ للغة الإيماء المهددة له. تلك السلوكيات تحتاج لتشذيب، وقبل ان ننتقد الطلبة والشباب وأصحاب المحلات، علينا ان ننتقد من يدفع لأجل ذلك السلوك او يغرس في الاذهان ان الوطنية تساوي او تعني تلك السلوكيات فقط. مثلا قام عميد شؤون طلبة في إحدى الجامعات بتأخير افتتاح معرض لإنجازات الطلبة الفنية لأن المعرض لا يحوي رسما للملك، فأمر العميد الفنانَ المشرفَ على مختبر الرسم بإعداد رسم للملك، وعندما سئل المشرف عن سبب عدم اتقان الرسم، قال بحسرة: \"كيف يمكن أن أعدّ لوحة خلال ساعتين قبل الافتتاح؟\". مثل هؤلاء كثيرون، يظنون أنهم هم وحدهم من يجيدون الوطنية أو الأكثر حبا للوطن او الملك. لا بد من ضرورة إفهامهم أن من يضع صورة للملك على صدره أو يرفع علماً او ينقش تاجاً، عليه أن يسمو في خلقة وسلوكه إلى مصاف هذه الرموز الوطنية المقدسة، وأن يتمثل المعاني العميقة لفكرة الانتماء التي لا تُختزل بالصورة والعلم فقط، بل قبل ذلك وبعده وفي أثنائه يتعين أن تكون الوطنية صنو الإخلاص في العمل، والالتزام بالمواعيد، والمحافظة على المال العام والصورة العامة للدولة. الوطنية ليست أغنية نرددها في الأعراس وحلقات الدبكة. إنها سلوك ومنظومة قيم وفكر كلما توارى عن الإشهار كان أبلغ وأكثر عمقا, وأشد صدقا من أولئك المزيفين أصحاب المظاهر المخادعة. الغد |