رئيس التحرير Admin
عدد الرسائل : 551 العمر : 64 تاريخ التسجيل : 25/02/2009
| موضوع: البرجوازية الوطنية الأردنية ... محمد تركي بني سلامة* الخميس أبريل 09, 2009 11:57 am | |
| البرجوازية الوطنية الأردنية ... محمد تركي بني سلامة* البرجوازية الوطنية في معظم بلاد العالم تنحاز لأوطانها وشعوبها، ولا تساوم على المبادئ والحقوق والقيم الوطنية، وتسخّر جزءاً غير بيسير من ثروتها لغايات وطنية نبيلة أو مصالح وطنية مشروعة، والأمثلة والشواهد التاريخية كثيرة ومتعددة على دور البرجوازية في دعم الحركات التحررية ومدّ قادتها بأسباب القوة والنصر.
وفي التاريخ العربي الحديث، ولا سيما في الحقبة الاستعمارية التي شهدت نشوء حركات التحرر الوطني، سواء في بلاد الشام أو مصر أو المغرب العربي فإن دور البرجوازية الوطنية في دعم الثوار والمناضلين في سبيل الحرية والاستقلال كان حجر الأساس في نجاح هذه الحركات في تحقيق أحلام قادتها، ولقد شاهدنا على سبيل المثال في أحداث المسلسل الشهير "باب الحارة" كيف كان الجميع وفي مقدمتهم التجار وأصحاب الثروات يتفاخرون بتقديم الدعم المادي للثوار، وتأمين احتياجاتهم من أسلحة وغيرها، ولو لم تقف البرجوازية في تلك البلاد هذا الموقف لما سميت برجوازية وطنية بالأساس، ولربما تحول مسار الصراع بين المُستَعمِر والمستَعَمر إلى صراع من نوع آخر، ولربما أيضاً تغيّر مسار التاريخ كله في تلك البلاد.
أما في الأردن ولأسباب يصعُب معرفتها فإن دور البرجوازية الأردنية يختلف تماماً، حيث اتخذت في الماضي وحتى الوقت الحاضر موقفاً محايداً أو سلبياً تجاه الحركة الوطنية الأردنية برموزها وأحداثها ومناسباتها، وبقيت البرجوازية الأردنية بعيدة كل البعد عن الأهداف والتطلعات الوطنية، وغريبة عن معاناة واحتياجات جماهير الشعب، لا بل إن البرجوازية في الأردن قد ذهبت إلى أبعد من ذلك، فنجدها وقد انحازت لمصالحها الخاصة الضيقة، وعبرت عن أنانية مفرطة وجشع لا حدود له عندما تساوقت مع أصحاب النفوذ في سبيل تحقيق المزيد من الثروة والقليل من احترام وتقدير جماهير الشعب الأردني.
أقول هذا الكلام في البرجوازية الأردنية ونحن نحتفل هذه الأيام بذكرى عزيزة وغالية علينا أردنيين وعربا وهي ذكرى معركة الكرامة الخالدة حيث تمر هذه المناسبة شأنها شأن الكثير من المناسبات الوطنية دون أدنى التفات من البرجوازية الأردنية فلا نسمع أن شركة أو بنك أو أي مؤسسة من مؤسسات القطاع الخاص قد قدمت ولو مجرد هدايا تذكارية لأبناء وأحفاد شهداء أو جرحى معركة الكرامة.
الذاكرة الوطنية الأردنية مليئة بالأسماء والأحداث الوطنية التي نخلدها في وجداننا وهويتنا الوطنية، بدءاً من استشهاد أول عربي على أرض فلسطين وهو الشهيد البطل كايد مفلح عبيدات مروراً بالمؤتمر الوطني الأردني الأول عام 1928، وبعده إلغاء المعاهدة الأردنية – البريطانية وصولاً إلى استشهاد هزاع المجالي ووصفي التل وغيرهما من رجالات هذا الوطن، ويندر أن نسمع أن البرجوازية الأردنية قد استوقفتها هذه المناسبات أو الشخصيات الوطنية فقدمت مبادرة أو دعمت مشروعا في هذا الإطار، وكأن هذه الأحداث لا تعنيها من قريب أو بعيد، وكأن حبّ الأردن لا يسري بدماء أفرادها!
إن دعوات جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين إلى القطاع الخاص في أن يتحمل جزءا من المسؤولية ويشارك القطاع العام في تحمل جزء من عبء تكلفة البناء والتنمية هي في مضمونها دعوة للبرجوازية الأردنية لأن تلعب دوراً وطنياً في المقام الأول، وأن ترتقي إلى مستوى التحديات التي تواجهها الدولة الأردنية، فعلى سبيل المثال فإن دور القطاع الخاص في تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء أو مد يد العون والمساعدة إلى المحتاجين هو دور ثانوي وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة 3% فقط من أصحاب الثروة يخرجون زكاة أموالهم، ناهيك عن براعتهم في استخدام كل السبل للتهرب مما يستحق عليهم من الضرائب للدولة الأردنية التي تتحمل بمفردها أعباء الحاضر والمستقبل في كافة مجالات الحياة.
إن هذه المفارقة العجيبة بين موقف البرجوازية في الأردن ومواقف البرجوازية الوطنية في سائر دول العالم ليس لها سوى تفسير واحد وهو افتقار هذه البرجوازية إلى الوعي بالمسؤولية الوطنية والتضحيات التي قدمها الأردنيون من مختلف فئات الشعب على مدى تسعة عقود من عمر الدولة الأردنية، وبافتقار البرجوازية في الأردن للحس الوطني فإنها تزيد من أعباء الدولة الأردنية ومسؤولياتها وهي دولة محدودة الإمكانات والموارد، وعلاوة على ذلك فإن الموقف السلبي للبرجوازية الأردنية يؤكد افتقادها للنزعة الإنسانية لإنصاف الفقراء الذين يتطلعون إلى حياة أفضل، وكأن ثروة البرجوازية الهائلة قد أتخمت أصحابها فتوقف تفكيرهم عند حدود جيوبهم، وحجبت عنهم رؤية مواضع الألم أو مواقف الرجولة والفخر في جسم الشعب الأردني العزيز.
إن هذا الواقع المحزن والمؤلم لحال البرجوازية في الأردن وهي تتنكر لمسؤولياتها وتستهين بأبناء الشعب قد دفع بشاعر الأردن عرار إلى أن يطلق على فئة المرابين منها لقب "إخوان الشياطين"، الذين لا همّ لهم سوى إذلال الشعب واستغلاله، الأمر الذي سوف يدفع في النهاية بجماهير الشعب الحالم بحقوقه وكرامته إلى أن يخوض معركته على أكثر من جبهة، منها جبهة البرجوازية من أجل إعادة توزيع الثروة، ذلك أنه لا غرابة إن لم يجد المحرومون قدرة على استساغة موقف البرجوازية أو هضم أنانيتها أن يفكروا بهذه الطريقة أو يتخذوا مثل هذا الموقف. فهل تعيد البرجوازية الأردنية النظر في مواقفها وسياساتها في سبيل مصلحة الجميع: مصلحة البرجوازية، ومصلحة الدولة الأردنية حامية البرجوازية ومهيئة أسباب النجاح لها، ومصلحة الكادحين، بحيث نرى أصحاب الثروات يتنافسون على دعم ورعاية المناسبات والرموز الوطنية، بحيث نقول وقتها إن لدينا برجوازية وطنية أردنية، هذا ما نتأمله ونتوق إليه، ذلك أننا نتطلع إلى برجوازية وطنية أردنية واعية لدورها ومسؤولياتها، تقدر الكفاءات، وتقدس التضحيات، وتكرّم الشهداء والأبطال والرموز الوطنية، وتعترف بأفعالهم ومنجزاتهم، فمن الإنصاف والعدل لذوي الفضل بالفضل.
إننا نتصوّر أن الدور الوطني الإيجابي للبرجوازية الأردنية هو أحد جناحي طائر تعزيز لدور ومكانة الأردن: نظاما وشعبا وحكومة، على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، فالطائر لا يحلق في السماء إلا بجناحين، وإذا كانت الدولة الأردنية هي الجناح الذي طالما كابد وتحمل العبء الأكبر في عملية البناء والتنمية والنهوض ومواجهة التحديات وتكريم الشهداء وتخليد الرموز والمناسبات الوطنية، فإن الجناح الآخر اللازم هو قيام البرجوازية الأردنية بحركة تصحيح واسعة، وفعالة، ينضوي تحت لوائها أصحاب الثروة المناصرين للأردن وشعبه وتضحياته وقيمه ورموزه، فتبادر البرجوازية الأردنية إلى تقديم كافة أشكال الدعم والمساندة لكل عمل وطني جاد، سواء عبر مؤسسات الدولة الأردنية أو مؤسسات المجتمع المدني من نوادي وجمعيات ومنتديات وأحزاب سياسية، فالأردن القوي الآمن المستقر يجني ثماره الأغنياء والفقراء.
وأخيراً رحم الله جميع شهداء الأردن وفي مقدمتهم شاعر الأردن الكبير عرار الذي تحدى المرابين وعوائد الدهر والأيام بأنفة وكبرياء وبقي ثائراً حتى النهاية وأنشد في الأردن الذي هامَ به:
موطني الأردن لكني به كلما داويت جرحاً سال جرح
وإلى الأردنيين الذين خذلوا عرار الذي كرس نفسه للفقراء والجياع والمحرومين فأنشد:
فليتق الله بي شعب محبته كانت وما برحت دأبي وديداني
على مذابح زعمي سوف أسعده ضحيت عمري فلم يسعد وأشقاني
فليتق الله بي شعب وفيت له حق الوفاء وبالنكران لاقاني
أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك | |
|